تخبرنا الأرقام في الولايات المتحدة أن ٥٠٪ من الموظفين يعدون أنفسهم (مستقيلون بهدوء- Quite quitters)، يُعنى بمصطلح الاستقالة الهادئة، الاستقالة بالقلب مع البقاء بالجسد في مكان العمل والأداء بأقل طاقة ممكنة يقبلها المدراء، يعد هذا المفهوم فلسفة حياة جديدة انتشرت عبر تيكتوك عام ٢٠٢٢، وتحث على بذل أقل جهد ممكن يبقيك على رأس العمل، هنا سنحلل هذا المصطلح وأسبابه والحلول المتاحة لمن يشعر بهذي البلادة تجاه عمله وللتنفيذيين والقادة الذين تضرروا من ذلك.
يبدو أن الاحتراق الذي واجه معظم الموظفين في فترة كورونا جعل الناس يعيدون حساباتهم، فعندما يكون مستقبلك المهني مجهولًا والترقيات والمكافآت غير مضمونة فلماذا ستبذل أقصى طاقتك؟ من وسائل التكيف الذاتي التلقائية مع الضغوط المتزايدة هي خفض الإنتاجية، أي أن تقلص جهدك لأقل القليل اللازم لاستمرارك في عملك، وتبدي أعراض التبلد والشلل عند أي فرصة تتطلب منك بذل جهدٍ إضافي أو تفكيرٍ مبتكرٍ لحل المشكلات.
في هذي الفلسفة الحياتية شيطانان ومَلاك، الشيطان الأول هو من علم النفس التطوري والذي يقول أن البشر يميلون للنوم والكسل والاسترخاء وتجنب المخاطرة لحفظ سلالتهم، فالمغامرون واجهوا الديناصورات وانقرضوا، والمقاتلون ماتوا جميعا وبقي منهم المنتصر الذي أنت من سلالته و بكل تأكيد، كان جدك يفكر مرتين قبل أن يضيع جهده وطاقته فيما لا يكفل لك البقاء.
الشيطان الثاني هو أقدم شياطين البشرومصدر دافعيتهم اللامتناهي وهو “حسد” صاحب السلطة أو مُلّاك الشركات والثروات، فأنت تعمل لصالحهم ولأرباحهم وليس لجيبك الخاص، ورغم إصرارنا أمام أنفسنا أن الحسد بعيد عنا، إلا أن أكبر مسوغ عادل له هو تساؤلات الأحقية مثل:
– لماذا أبذل جهدًا (له)؟
– لماذا أتعب (لهم)؟
– ما الذي يوجد في هذه الفرصة لي (أنا)؟
هذي التساؤلات التي تضمر حسدًا هي تساؤلات صحية، وهي أيضا انعكاس لفلسفات شائعة تعزز الفردانية والنفعية، ورغم ما يبدو في ظاهر هذه المفاهيم من أنانية وشح أخلاقي، إلا أن نصفها على الأقل ضروري للصحة النفسية، فالمستغرقون في العطاء بلا حد هم أول ضحايا الاحتراق المهني. يذكر كابمان في نموذج مثلث الدراما للاحتراق أن الإنسان يحترق في ثلاث أدوار، البطل، الضحية والمتعهد، في أي دور أنت؟
إذا، من المعقول أن تراجع جهدك وتقارنه بالآخرين وتعرف موضعك على الخريطة ومن الضروري أن تتخذ إجراءات لحماية نفسك، ومن هنا، كانت الاستقالة الهادئة هي ردة فعل اجتماعية متوقعة لمواجهة ضغط الإفراط في الإنتاجية وإدمان العمل.
أما المَلَاك في هذه الفكرة فهو النزعة الحديثة لتقديم الحياة المتوازنة على الحياة المادية، فبعد أن فقد الكثيرون أعمالهم في ٢٠٢٠، واكتشفوا أنه يمكنهم العيش بلا عمل أو بعمل أقل دخلًا وأقل إنهاكًا؛ فإنه يمكنهم ترك العمل والاستمتاع بما يحبون فعلًا من علاقات وهوايات، لا بما يقدسه المجتمع من استهلاك ومكانة مهنية. مدونات وفلوغات كثيرة تحكي تجارب أشخاص قاموا بترك أعمالهم للتجوال في الغابات أو السفر حول العالم أو الانتقال لبلدان أقل تكلفة معيشية وأكثر تنوعا في الطبيعة مثل جزيرتي فوكيت وبالي.
2- ماذا بعد السياق؟
يحمي صاحب العمل مصلحته بمراقبة أداء الموظفين، حيث أن عدوى التبلد ستنتشر سريعًا بين الموظفين ومن واجب القيادة إبقاء الدافعية والحماس وقطع الطرق على تسلل الثقافة المتخاذلة لروح الفريق، موظف واحد مثبط للآخرين سينشر روحا كئيبة تقلل دافعية الجميع، دراسة قديمة تقول أن ٦٦٪ من الموظفين يشعرون بهبوط في أدائهم بعد التفاعل مع زميل سام.
3- ما هي النتيجة؟ الطرد الهادئ!
استبدال موظف مستقيل معنويًا من هذا النوع سيكلف الشركة ٦ أشهر من رواتبه على أقل تقدير، ولذلك، يلوذ المدراء بطريقة أخرى رديئة وسيئة السمعة وهي “إضجار” الموظف لدفعه للاستقالة بنفسه وبالتالي تجنب جزء من التكاليف بينما يتم البحث عن حل للمشكلة.
ملامح هذا الطرد الهادئ تتجسد في إهمال الموظف تدريجيا مثل:
– الاستبعاد من الاجتماعات المهمة – تقليل المزايا المعنوية والمادية – سحب المشاريع من عهدته – إدخال موظفين آخرين للعمل معه في نفس مشاريعه – وضع متابعين لأدائه من فريقه
إذا كان مديرك يفعل ذلك بلا سبب، فعلى مؤسستكما أن تقيم أداءكما من جهة محايدة وخارجية.
4- ماذا تفعل إن كنت موظفًا مستقيلًا بهدوء؟
لا شيء يضمن أن تنجو بالاستقالة الهادئة، تغيير المدير أو تجديد استراتيجية المؤسسة ستجعلك تواجه نتائج ذلك، أحيانًا أنصح عملائي باتخاذ هذا القرار لكن إن كان لديهم خطة بديلة أو عمل جانبي. على كل حال، تتهم الأجيال الكبيرة مواليد التسعينات بأنهم هم الذين يقومون بذلك ويتسربون من أعمالهم، ويتهم مواليد التسعينات أجيال الكبار بأنهم يجتهدون بلا هدف قابل للقياس ماديًا أو معنويًا، وكل الافتراضات واقعية، المهم ألا تضيع أنت في السراب دون أن تخدم احتياجاتك أنت وفق رغبتك أنت ولا شيء آخر لك مهم غير ذلك.
5- إن كنت مديرًا أو صاحب عمل فما الذي يجب عليك فعله؟
– حسّن تجربة الموظف، صمم التوظيف باحترافية تضمن الفلترة والبقاء بشكل مناسب لاحتياجات فئتك المهنية المستهدفة، لا تطالب موظف تمهير بأعمال مستشار ماكنزي.
– أعد صياغة الغرض المعنوي الكبير لمؤسستك، فالناس سيعملون للوطن وللخير ولنفع الآخر أكثر مما يعملونه لربح شخص ما، أعد الصياغة التي تؤمن بها لرسالة مؤسستك وأقنع بها الموظفين.
– استثمر في العافية النفسية، قيم الوضع النفسي العام لمؤسستك وأجر التعديلات الحقيقية التي تمكن الآخرين من بلوغ أحلامهم داخل كيانك.
– حدد المطلوب من كل موظف وفق اجتماعات أسبوعية وتابع الأداء وفقا ذلك، كل المهام الفضفاضة ستظل فضفاضة وقابلة للضياع في زحمة الأيام.